الصفحة الرئيسية > الشرق وغموض مستقبله > ٠يلم الزمن الباقي : انت٠اضة عقلية... مصط٠ى نور (...)
٠يلم الزمن الباقي : انت٠اضة عقلية... مصط٠ى نور الدين
نشر بجريدة الأهالي الأسبوعية - القاهرة ٠ي 2 سبتمبر 2009
الأربعاء 2 أيلول (سبتمبر) 2009, بقلم
٠يلم الزمن الباقي : انت٠اضة عقلية
مصير ال٠لسطينيين ٠ي ٠يلم الزمن الباقي
رسالة باريس: مصط٠ي نور الدين
عرض ٠يلم "الزمن الباقي" : سيرة Ø§Ù„ØØ§Ø¶Ø± والغائب لكاتبه ومخرجه إيليا سليمان Ù ÙŠ رام الله والناصرة، Ù ÙŠ النص٠الأول من يوليو، ØÙŠØ« تم تصوير ال٠يلم إلي جانب أن الناصرة مسقط رأس "سليمان". وقد بدأ عرض ال٠يلم Ù ÙŠ ٠رنسا يوم 12 أغسطس بعد أن شارك Ù ÙŠ مهرجان "كان 62" Ù ÙŠ 22 مايو الماضي.
استقبل ال٠يلم بØÙ اوة Ù ÙŠ ٠رنسا ØÙŠØ« تعرضه 31 صالة Ù ÙŠ باريس ÙˆØØ¯Ù‡Ø§. وعبرت عناوين مقالات نقاد السينما عما يقدمه سليمان من جديد Ù ÙŠ السينما ال٠لسطينية وعما يعكسه من ØØ¬Ù… المأساة ال٠لسطينية وكأنه اكتشا٠. ٠صØÙŠÙ Ø© "لو ٠يجارو" عنونت مقالها "الزمن الباقي : يوميات الكارثة ال٠لسطينية" وصØÙŠÙ Ø© "لا تريبن" : "٠يلم مؤلم عن ٠لسطين" وصØÙŠÙ Ø© "لوموند": "الزمن الباقي : الجمع بين المضØÙƒ والظري٠علي خل٠ية ØØ²ÙŠÙ†Ø© إلي ما لا نهاية".
ÙˆØ§ØØªÙ ÙŠ الكثير من نقاد السينما العرب بال٠يلم وقت عرضه Ù ÙŠ "مهرجان كان للسينما" وبعدها ومن بينهم ØµÙ„Ø§Ø Ù‡Ø§Ø´Ù… وأمير العمري اللذان Ø±Ø´ØØ§Ù‡ لنيل "السع٠ة الذهبية" وا٠رد "العمري" تØÙ„يلا متميزا لل٠يلم اظهر ٠يه البعد Ø§Ù„ØØ¯Ø§Ø«ÙŠ Ù ÙŠ معالجته (ونالت مقالته جائزة القلم الذهبي لهذا العام Ù ÙŠ مهرجان وهران السينمائي). يمكن قراءة المقال Ù ÙŠ مدونة العمري "ØÙŠØ§Ø© Ù ÙŠ السينما".
نوع جديد
إن إيليا سليمان أبدع سينما من نوع جديد. ٠بعد "وقائع اخت٠اء" Ùˆ"يد إلهية" ق٠ز بال٠ن السينمائي العربي خطوة جديدة لتعكس ØØ§Ù„Ø© القلق ال٠لسطيني وليكون كل مشهد من مشاهد ال٠يلم ٠يلما بذاته. ومن هنا يصعب قص ØÙƒØ§ÙŠØ© ال٠يلم ØÙŠØ« تتداخل ØÙŠØ§Ø© أسرة سليمان وتاريخ ٠لسطين منذ النكبة إلي موت جمال عبد الناصر وت٠جر انت٠اضة Ø§Ù„ØØ¬Ø§Ø±Ø© ثم بناء ØØ§Ø¦Ø· ال٠صل العنصري. ٠اللقطات هي Ù„ÙˆØØ§Øª بتوق٠العدسة للتأمل ولتØÙƒÙŠ ØÙƒØ§ÙŠØ© بذاتها كجزء من الكل الذي بتجميعه تتجسد الدراما ال٠لسطينية. ٠الØÙˆØ§Ø± Ù ÙŠ كلمات بين أ٠راد لا يشكل استمرارية Ù„ØÙƒØ§ÙŠØ© ولكن بيت شعر من مرثاة. والمشهد بين أشخاص لا يشكل تواصلا لمتابعة تطور درامي لقصة وإنما Ù„Ø§ÙƒØªØ´Ø§Ù ØØ§Ù„Ø© عقلية للأشخاص وللأوضاع معا. هذه اللغة السينمائية جديدة علي السينما العربية لأنها Ù…ØµØ§ØØ¨Ø© لوجود جسدي لسليمان كممثل والصامت والناظر لكل ØØ¯Ø« كما لو كان هو ذاته Ø£ØØ¯ المت٠رجين. وهذه الجدة لها جذورها كامتداد "لشارلي شابلن" Ùˆ"جاك تاتي" Ùˆ "بوستر كيتون". ٠هي تجمع بين الصمت وال٠كاهة اللاذعة السوداء. هي ت٠تيت لل٠ن السينمائي Ù ÙŠ شكله الخطي المنساب التقليدي بإدخال الت٠كيك "للقصة- التاريخ" وتØÙˆÙŠÙ„ها إلي Ù„ÙˆØØ§Øª يلزم Ø§Ù„Ø¨ØØ« ٠يها عن الت٠اصيل الخ٠ية المضمرة ÙˆØÙŠØ« الصمت هو اللغة التي ت٠رض ن٠سها علي المشاهد. ٠الصمت Ø¨ØØ³Ø¨ "إيليا سليمان" هي لغة المقاومة الأكثر ٠اعلية Ù ÙŠ ظل المأساة الجارية. ٠مع كل لقطة أو ØÙˆØ§Ø± يلزم التوق٠لل٠هم عند الدرجة المباشرة الأولي المعطاة كما هي ولكن القراءة الأكثر متعة هي Ù ÙŠ Ø§Ù„Ø¨ØØ« عن مغزاها البعيد أي القراءة غير السطØÙŠØ© التي تقول الكثير عن الذات وعن الآخر أيا كان الآخر ال٠لسطيني أو الصهيوني. أي كي٠يري ال٠لسطيني ن٠سه Ù ÙŠ قلب التاريخ Ù ÙŠ صيرورته والتØÙˆÙ„ الذي يطرأ عليه من المقاوم الذي لم يلق Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø ÙˆÙ„Ùˆ كان ØØ¬Ø±Ø§ أو الذي اختار الرضوخ واللامبالاة يأسا والمتهكم ممن ينتظرون Ù ÙŠ مقاعدهم بصمت معجزة لن تأتي. ٠التاريخ ال٠علي لما ØØ¯Ø« وقت "النكبة" هل هو كما تم سرده بدقة؟ هل استسلمت المدن ÙˆØ§ØØ¯Ø© تلو الأخري أم سقطت بعد مقاومة؟ وما سبب استمرار "النكبة" إلي اليوم؟ إن استخدام الصمت كلغة سينمائية هو "انت٠اضة عقلية" ت٠رض علي المشاهد أن يستنتج بن٠سه ما لا يقله "سليمان" ØÙŠÙ† يلعب دوره Ù ÙŠ ال٠يلم كجزء من تاريخ أسرته وتاريخ ٠لسطين بعد عودته من المن٠ي الذي ٠رضته عليه إسرائيل وهجرته لأمريكا.
مغزي عميق
وللسخرية أيضا مغزاها السياسي العميق. ٠سليمان يعيد تكرار ذات المشهد بذات الأشخاص Ù ÙŠ أوقات مختل٠ة Ù ÙŠ ن٠س الديكور ليعمق ال٠كرة التي أراد إيصالها للمشاهد. إن التكرار مرة بعد الأخري Ù ÙŠ Ù„ØØ¸Ø§Øª مختل٠ة من ال٠يلم هو لتجسيد التØÙˆÙ„ Ø§Ù„ØØ§Ø¯Ø« Ù ÙŠ الموق٠السياسي والعقلي لل٠لسطينيين أن٠سهم الذين يعاودون الظهور لكن من ناØÙŠØ© بثبات وصمت وانتظار لا نهائي لمن بقي من جيل النكبة وتØÙˆÙ„ لمن جاءوا بعدها Ù„ÙŠØµØ¨Ø Ø§Ù„Ø«Ø¨Ø§Øª والتØÙˆÙ„ وكأنهما عملة ÙˆØ§ØØ¯Ø© بوجهيها.
٠مشهد الشاب الذي ÙŠØÙŠ Ù…Ù† يجلسون علي مقهي من جيل "النكبة" بأن يمد يده ثم ÙŠØ³ØØ¨Ù‡Ø§ وي٠رقع أصابعه عندما يمد الآخر يده ليست للضØÙƒ وإن أضØÙƒØªÙ†Ø§. ومشهد ذات الشاب يمر أمام ن٠س Ø§Ù„ØµØØ¨Ø© الجالسة Ù ÙŠ ن٠س الأوضاع ٠يلقي عليهم التØÙŠØ© بيده ÙˆÙ ÙŠ المرة التالية عندما يمر يلقي عليهم التØÙŠØ© مرة ثم يلت٠ت إلي الاتجاه المعاكس ليلقي التØÙŠØ© علي Ø§Ù„ØØ§Ø¦Ø· المواجه ثم عليهم ثم علي Ø§Ù„ØØ§Ø¦Ø· وهكذا هو تعبير دون كلمات عن الصورة الذهنية لهم Ù ÙŠ ضميره... ٠قراءة لهذه المشاهد تعكس الان٠صال الذي بدء يمس بعض من الجيل الجديد عن القضية التاريخية بالتهكم من الجالسين من بقايا الماضي.
٠كاهة ومأساة
والمشهد الأكثر دلالة والذي يجمع ال٠كاهة والمأساة معا هو ذاك الشاب الذي يخرج من منزله ليلقي شيئا Ù ÙŠ صندوق القمامة Ù ÙŠ مواجهة منزله وأمامه دبابة إسرائيلية تتابعه ٠وهتها Ù ÙŠ ØØ±ÙƒØªÙ‡ من المنزل إلي صندوق القمامة دون أن يهتم وكأنه لا وجود لها ثم يرن هات٠ه الجوال Ù ÙŠØªØØ¯Ø« مع مخاطبه بالسير ذهابا وإيابا بعرض الطريق ومد٠ع الدبابة يتابع ØØ±ÙƒØªÙ‡. ويطلب من Ù…ØØ¯Ø«Ù‡ Ø§Ù„ØØ¶ÙˆØ± إلي للرقص Ù ÙŠ ØÙ لة منظمة Ù ÙŠ المساء. ÙˆÙ ÙŠ المساء يرقص الشباب علي موسيقي معاصرة صاخبة بينما Ù ÙŠ الخارج تنبه عربة جنود إسرائيلية بمكبرات الصوت مرات متتابعة ØØ¸Ø± التجول. ولكن انشغال الشباب هو العيش مجرد العيش كأ٠راد Ù ÙŠ مكان ما وان كان يضيق عليهم Ø¨ØØ§Ø¦Ø·Ù‡ العازل وينغمسون Ù ÙŠ الرقص كما لو كانوا Ù ÙŠ "ØÙ„قة زار" ٠هم ليسو موضوعا Ù„ØØ¸Ø± التجول. والجنود الإسرائيليون يدركون ذلك ØÙŠÙ†Ù…ا يرقصون Ù ÙŠ عربتهم علي ذات الموسيقي المنبعثة من الصالة تاركين الشباب Ù ÙŠ ØØ§Ù„هم.
هنا تجسيد لنقيضين للتاريخ ٠المقاومة Ù ÙŠ انت٠اضة Ø§Ù„ØØ¬Ø§Ø±Ø© Ø£ØµØ¨ØØª ÙˆØØ¯Ù‡Ø§ المقاومة ال٠علية وتجسد النزع الأخير لوطن. والمقاومة كمخرج يمثلها Ù ÙŠ ال٠يلم Ø§Ù„Ø¥ÙŠØØ§Ø¡ بتقديم ما هو مشابه كما يجسد ذلك مشهد من ٠يلم "سبارتكوس" الذي يعرض Ù ÙŠ ال٠يلم علي ٠صل دراسي لأط٠ال ٠لسطينيين. ولكن لا ينسي سليمان التشديد علي ازدواجية Ù ÙŠ الثقا٠ة العربية ذات طعم خاص ويعكسها Ø§Ù„ØØ§Ø¶Ø±. Ù Ù…ØØ±Ø± العبيد هو دعوة للثورة ولكن Ù ÙŠ Ù„ØØ¸Ø© تقبيل "سبارتكوس" Ù„ØØ¨ÙŠØ¨ØªÙ‡ تق٠المدرسة Ù„ØØ¬Ø¨ المشهد عن التلاميذ بجسدها وتقول : "إنها أخته يا أولاد.. إنها أخته" ! هنا طمس ØÙ‚يقة المشاعر لا يختل٠عن طمس الØÙ‚يقة Ù ÙŠ ذاتها التي تعم التاريخ العربي.
ولكن المقاومة Ù ÙŠ شكلها الأسطوري هي ق٠زة "إيليا سليمان" من ٠وق "ØØ§Ø¦Ø· ال٠صل" بعصا "زانة" كرياضي يقوم بالق٠ز العالي. وهنا معني خاص إذ يعتبر أن من بين الإسرائيليين ٠ئة صادقة Ù ÙŠ مناصرتها لل٠لسطينيين لا معني لمقاطعتها والتواصل معها هو استمرار Ù ÙŠ المقاومة.
ØØ§Ø¦Ø· ال٠صل
وأكثر ما يل٠ت الإنتباه Ù ÙŠ ال٠يلم كان هو صمت سليمان ٠ظهوره كمشاهد Ù ÙŠ القسم الثاني من ال٠يلم يسجل بصمت ما يري ويدعو المشاهد لمشاركته الرؤية. أي وجود ين٠ي ٠كرة التمثيل كلعب Ù„ØØ¯ÙˆØªÙ‡ خيالية. ٠لا داعي للكلمات لتص٠نهب قوات "الهجاناه" الصهيونية لمنازل ال٠لسطينيين ال٠ارين بعد هزيمة الجيوش العربية. ولا تعليق علي تخ٠ي هؤلاء الجنود بالكو٠يات ال٠لسطينية لإيهام المواطنين بان العرب انتصروا Ù ÙŠ دخولهم المدن لكي يغتالوا من بقي منهم. ولا تعليق علي إطلاق Ø§ØØ¯ الجنود الرصاص علي ٠لسطينية أطلقت "زغرودة" لتوهمها أن المقنعين الصهاينة هم المقاومة العربية. ولا تعليق علي المواجهة بين أط٠ال Ø§Ù„ØØ¬Ø§Ø±Ø© والجيش الصهيوني. دمعات ترقرقت Ù ÙŠ عيون الأسرة ال٠لسطينية دون كلمة Ù„ØØ¸Ø§Øª إعلان أنور السادات Ù ÙŠ التلي٠زيون نعي و٠اة جمال عبد الناصر. المبالغة مقصودة Ù ÙŠ الظهور الصامت لمخرج ال٠يلم وكاتب ØÙƒØ§ÙŠØ© ٠لسطين بدءا من مذكرات أبيه المقاوم وخطابات متبادلة بين أ٠راد الأسرة وسماع روايات الذين عاشوا نكبة 48 قبل مولد إيليا عام 1960 وهذا الصمت ذاته يلعبه Ù ÙŠ علاقته بالآخرين مثل التواصل مع أمه التي أسكتها المرض ولا تكاد تدرك ما ØÙˆÙ„ها بإسماعها أغنية قديمة Ø£ØØ¨ØªÙ‡Ø§ ٠بدأت قدماها تعيد اللØÙ† بدبدبة خ٠ي٠ة. ويتم التواصل مرة أخري عندما يضع سليمان نظارة طبية علي ان٠تمثال يمثل "السيدة مريم" أم Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ Ù ØªØ¨ØªØ³Ù… الأم وتتخذ قرارها الذي لا يعارضها ٠يه سليمان بكلمة بنزع الأجهزة الطبية Ù ÙŠ العناية المركزة. وكأن وقتها مضي والوقت الباقي هو للآخرين..