الصفحة الرئيسية > الشرق وغموض مستقبله > كرة القدم ÙˆÙ Ù† تصغير الرؤوس واللعب Ù ÙŠ التاريخ.. (...)
كرة القدم و٠ن تصغير الرؤوس واللعب ٠ي التاريخ.. مصط٠ى نور الدين
نشر بصØÙŠÙ Ø© الأهالي الأسبوعية (القاهرة) Ù ÙŠ ٢٥ نو٠مبر Ù¢Ù Ù Ù©
الأربعاء 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009, بقلم
أعادت المشاهد والخطاب الإعلامي Ù ÙŠ كل من مصر والجزائر ل٠كري الكتب التي تدرس "العقل الجمعي" Ùˆ"صناعة العقول" Ùˆ"قبائل المشجعين".. ولكن ما Ù„Ø§Ø Ø£ÙƒØ«Ø± دلالة هو ممارسات قبائل "شوراس" أو "جي٠اروس" أي "Ø§Ù„Ù…ØªÙˆØØ´ÙˆÙ†" كما اسماهم البيض من الإسبان الذين اكتش٠وهم. ٠تلك القبائل الهندية التي تعيش Ù ÙŠ منطقة "الأمازون" خاصة Ù ÙŠ "بيرو" كانت تقوم بعملية (تيسانتزاس) أي "تصغير رؤوس" الأعداء بعد قطعها وذلك Ù„ØØ¨Ø³ أرواØÙ‡Ù… بداخلها ØØªÙŠ Ù„Ø§ تعود للانتقام وتستخدم Ù ÙŠ ذلك تقنية خاصة بصبغ بشرة الرأس باللون الأسود لتغرق Ø§Ù„Ø±ÙˆØ Ù ÙŠ الظلام وتنزع العظام والأسنان والعيون ويغلق ال٠م بإØÙƒØ§Ù…. ثم توضع الرأس المصغرة Ù ÙŠ ØØ¬Ù… قبضة يد Ù ÙŠ إناء مغلق لا تخرج منه إلا Ù ÙŠ الأعياد لارتدائه كقلادة Ù ÙŠ العنق.
ويقال إن تلك الشعائر تمارس لليوم برغم أنها منعت بقوانين دول المنطقة منذ ستينيات القرن الماضي. ولل٠يلسو٠ال٠رنسي "داني روبير دو٠ور" كتاب قيم بعنوان "Ù Ù† تقليص الرؤوس: عن العبودية الجديدة للإنسان Ø§Ù„Ù…ØªØØ±Ø± Ù ÙŠ عصر الرأسمالية الشاملة" (2003) ويدور ØÙˆÙ„ ممارسة الليبرالية الجديدة لتشكيل عقلية الشباب الاستهلاكية Ù ÙŠ التعلم والعمل والعيش المشترك مع الآخرين ويوازي بين تلك الممارسة وبين شعائر "جي٠اروس". وتلك الأ٠كار هي ما يمكن بناء عليها الت٠كير ٠يما يدور Ù ÙŠ كل من البلدين الشقيقين مصر والجزائر.
تبدأ ØÙƒØ§ÙŠØªÙŠ Ù…Ø¹ كرة القدم ØÙŠÙ†Ù…ا سألني سائق التاكسي بال٠رنسية عن البرنامج الذي شاركت ٠يه Ù ÙŠ تلي٠زيون "٠رنسا 24" بضاØÙŠØ© باريسية. أجبته كنا Ù†ØªØØ§ÙˆØ± Ù ÙŠ Ù…ØØ§ÙˆÙ„Ø© تشويه سمعة الممثل الكبير نور الشري٠٠ي صØÙŠÙ Ø© مصرية مجهولة الهوية وعن ØØ±ÙŠØ© Ø§Ù„ØµØØ§Ù Ø© وضرورة عدم التعرض للØÙŠØ§Ø© الخاصة للمواطنين". قال بلهجة مصرية :"أنا مصري من قرية ... بقرب ال٠يوم".. قلت لا اعر٠ها ولكنك أكيد ولدت ب٠رنسا لأن للغتك المصرية لكنة خاصة." ضØÙƒ قائلا: "كش٠تني أنا جزائري أعشق مصر وذهبت لها العديد من المرات ولي بها أصدقاء كثيرون". ثم Ø±Ø§Ø ÙŠØ¯Ø§Ù Ø¹ عن نور الشري٠ال٠نان والرجل ØµØ§ØØ¨ المواق٠الوطنية. وعدد الأ٠لام التي شاهدها والأغاني التي يعر٠ها ٠غني مقاطع لعبد الØÙ„يم ØØ§Ù ظ وأم كلثوم ونجاة.. لم اندهش ٠طوال 34 سنة كان كل لقاء مع أخ من المغرب العربي كانت ردود ال٠عل هي ذاتها يسبقها العبارة التقليدية "مصر أم الدنيا". وسألني "عادل"ØŒ سائق التاكسي، Ù ÙŠ تصورك من سيكسب Ù ÙŠ مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر المقبلة وكان ذلك Ù ÙŠ 24 سبتمبر. قلت لم أشاهد منذ نكسة 67 إلا مباراة كأس العالم 98 مضطرا إبان زيارتي لمصر إذ أراد أط٠ال الأسرة أن أري "زيدان" الذي لم أسمع به طوال ØÙŠØ§ØªÙŠ Ù ÙŠ ٠رنسا. استمر السائق Ù ÙŠ Ø´Ø±Ø Ø·Ø¨ÙŠØ¹Ø© الصراع الكروي بين البلدين طوال ربع الساعة وأنصت تأدبا دون أن ا٠هم. ثم نسيت الأمر إلي أن شاهدت Ù ÙŠ التلي٠زيون ال٠رنسي الاعتداء علي الأتوبيس الذي اقل اللاعبين الجزائريين بالقاهرة ٠تذكرت "عادل" الذي قال إنه سيذهب للقاهرة خصيصا لتشجيع ٠ريق بلده. ومن ØÙŠÙ†Ù‡Ø§ شغلني يوميا Ø§Ù„Ø¨ØØ« لمعر٠ة ØÙ‚يقة المعلومات بقراءة الجرائد المصرية والجزائرية ومشاهدة القنوات التلي٠زيونية ومواقع انترنت. والخلاصة هي أن ما كتب من الجانبين طوال الأيام الأخيرة يصيب بالهلع. ٠النقاش لم ÙŠØØµØ± Ù ÙŠ "اللعب" وإنما تجاوز وبشكل سمج وضØÙ„ إلي "اللعب Ù ÙŠ التاريخ" ÙˆÙ ÙŠ هوية الإنسان Ù ÙŠ وقت لم يكن هو وقته ولا موضوعه. إذ شكك بعض المصريين Ù ÙŠ "المليون شهيد" Ù ÙŠ ØØ±Ø¨ ØªØØ±ÙŠØ± الجزائر وعتب علي الجزائريين نكران جميل للعون الذي قدمته مصر للثورة الجزائرية وأنه ØØ§Ù† الوقت للتخلي عن أننا من العرب ويجب الهجوم علي الجزائريين Ù ÙŠ مصر وطردهم وأن الجزائريين يهاجرون ليعملوا كمساØÙŠ Ø£ØØ°ÙŠØ© Ù ÙŠ الغرب...الخ.
الوطنية الكروية
ومن صØÙ الجزائر جاء الهجوم ليقول: "إن العون من الرئيس جمال عبد الناصر إبان ØØ±Ø¨ Ø§Ù„ØªØØ±ÙŠØ± لم يكن للثوريين ال٠عليين، بل سبب ØØ±Ø¨Ø§ أهلية ولقد ردت الجزائر الجميل بإرسال آلا٠الجنود للمشاركة Ù ÙŠ ØØ±Ø¨ 73 وتوسطت لدي Ø§Ù„Ø§ØªØØ§Ø¯ السو٠يتي لمعاودة إمداد Ø§Ù„Ø£Ø³Ù„ØØ© اللازمة لمصر برغم طرد الرئيس السادات للخبراء السو٠ييت".. ثم عن ØÙˆØ§Ø¯Ø« الاعتداء علي ال٠ريق الجزائري Ù ÙŠ القاهرة كانت عناوين الجرائد: "ماذا كنا ننتظر من أناس ت٠رقهم العصا ويجمعهم المزمار؟" Ùˆ"المصريون هم الشعب الوØÙŠØ¯ Ù ÙŠ العالم الذي يسكن القبور" Ùˆ"الشعب المصري أكبر شعب مستهلك Ù„ØØ¨ÙˆØ¨ (ال٠ياجرا) نتيجة ØØ§Ù„Ø© Ø§Ù„Ø¥ØØ¨Ø§Ø· التي يعيش ٠يها وتمنعه من تØÙ‚يق رجولته".. ثم الخروج إلي السياسة الخارجية بالقول بأن المصريين : "سلبوا من السودان منطقة "ØÙ„ايب" بعد ØØ§Ø¯Ø«Ø© الاعتداء علي الرئيس مبارك Ù ÙŠ "أديس أبابا" Ù ÙŠ 1995 والقول بأن عناصر سودانية هي التي قامت Ø¨Ø§Ù„Ù…ØØ§ÙˆÙ„Ø©.. وقامت مصر بإعلان "جبل علبة" السوداني كمØÙ…ية سياØÙŠØ© مصرية منذ 2000."
٠ما ÙŠÙ„ÙˆØ Ù‡Ùˆ أن أجهزة الإعلام المهيمنة Ù ÙŠ البلدين قامت بعملية "٠بركة" ماهرة للجموع من الشعوب التي تمت عليها عملية تصغير لرؤوسها. علاوة علي أن هؤلاء المسئولين أن٠سهم تم سابقا تصغير رؤوسهم مرتين ٠أصبØÙˆØ§ يتمتعون بقدرات خارقة Ù ÙŠ تأثيرهم لاستبدال Ø§Ù„Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø£ØµÙ„ÙŠØ© للشعوب Ø¨Ø±ÙˆØ "ØØ¯Ø§Ø«ÙŠØ© كروية" ٠قط أو "وطنية الكروية" وتعميم انعدام الرشادة. والنتيجة أنهم ÙŠØØ§ÙˆÙ„ون صنع جماهير تجد ذاتها وهويتها متجسدة Ù ÙŠ لاعب أو ٠ريق Ù…ØÙ„ÙŠ أو ٠ريق عرقي أو قومي.. جماهير منصهرة من جميع الملل والنØÙ„ والأجناس ÙŠÙˆØØ¯Ù‡Ø§ ÙˆØ§ØØ¯ Ø£ØØ¯: الكرة.. جماهير تر٠ع أعلاما Ù…ØØ±Ù…Ø© عليها Ù ÙŠ كل وقت أخر وتتجمع بالآلا٠٠ي زمن معلوم Ù ÙŠ ØÙŠÙ† لا ÙŠØÙ‚ لها ذلك Ù ÙŠ الأيام الأخري إلا من خل٠الأسوار Ù ÙŠ الجامعات والمصانع. جماهير تهت٠٠ي ØÙŠÙ† إن الصمت هو القاعدة المطلقة الم٠روضة عليها Ù ÙŠ ØÙŠØ§ØªÙ‡Ø§ اليومية ولو من اجل الد٠اع عن بقائها. ٠هذه "Ø§Ù„Ø±ÙˆØ Ø§Ù„ÙƒØ±ÙˆÙŠØ©" الجديدة مبرمجة ب٠ترة زمنية Ù…ØØ¯Ø¯Ø© قبل المباراة وأثنائها وبعدها بقليل ÙˆÙŠØ³Ù…Ø Ù„Ù‡Ø§ أن تهت٠وتقذ٠وتسيل الدماء. ٠هذه الكائنات هي ن٠سها التي تقع Ù ÙŠ معسكر التناقض مع السلطات السياسية التي ØªØØ±Ù…ها الماء النقي والعلاج والعمل ÙˆØ§Ù„ØØ±ÙŠØ© والديمقراطية.. جماهير ØØ¨Ø³ÙˆØ§ روØÙ‡Ø§ واستبدلوها Ø¨Ø±ÙˆØ Ù…Ù Ø³ÙŠØ±Ø© عن بعد دون وعي ولأجل Ù…ØØ¯Ø¯ وبعدها تنسي تلك Ø§Ù„ØØ±ÙŠØ© المطلقة وترتدي قيودها وتدخل ق٠ص الØÙŠØ§Ø© اليومية بسلامها الاجتماعي دون Ø§ØØªØ¬Ø§Ø¬Ø§Øª ولا مظاهرات ولا اعتصام ولا مطالبة بتغيير للدستور ليساوي بين المواطنين من كل ملة وبوطن للجميع دون تجريم. تلك هي الجماهير ن٠سها التي لا ÙŠØÙ‚ لها المطالبة Ø¨ØØ±ÙŠØ© انتخابات أو نزاهتها ولا بØÙ‚ كل مواطن Ù„Ù„ØªØ±Ø´ÙŠØ Ù„Ø±Ø¦Ø§Ø³Ø© الجمهورية ل٠ترة Ù…ØØ¯Ø¯Ø© وليس ØØªÙŠ Ø§Ù„Ø±Ù…Ù‚ الأخير. وهي ذات الجماهير التي يتم منعها من ØØ±ÙŠØ© تشكيل Ø§Ù„Ø£ØØ²Ø§Ø¨ وإصدار الصØÙ ÙˆØØ±ÙŠØ© التعبير.
أساليب ال٠اشية والنازية
٠عشرات الدراسات سعت ل٠هم الظاهرة العالمية لتجمع الآلا٠والملايين ØÙˆÙ„ "كرة" ل٠ريق Ù…ØÙ„ÙŠ أو وطني أو عرقي. ٠هذا اللم للجموع كانت تقوم به النازية وال٠اشية أو أي إيديولوجيات دينية Ù ÙŠ ØÙŠÙ† أن ما ÙŠØØ¯Ø« الآن هو لصر٠الشعوب عن السياسة ويساعد Ù ÙŠ ذلك ØØ§Ù„Ø© البؤس الاجتماعي والثقا٠ي والسياسي. Ù Ø§Ù„Ø£ØØ²Ø§Ø¨ لم تجدد ٠كرها والأيدلوجيات القديمة لم تعد قادرة علي تعبئة للناس ويقوم بعض الإعلاميين بتوجيه هذه الجموع بعيدا عن السياسة بشكل متعمد ولتقليص رؤوسها Ù„ØªØµØ¨Ø Ù…Ø¬Ø±Ø¯ كرة يتم اللعب بها ولكي لا تنشغل إلا بالالت٠ا٠ØÙˆÙ„ "كرة - إله" وإشعال ØÙˆØ§Ø³Ù‡Ø§ لتصل إلي ØØ§Ù„Ø© "الاورجازم" أو قمة اللذة الجنسية Ù ÙŠ هذا Ø§Ù„Ø§ØØªÙƒØ§Ùƒ البدني القبائلي بطقوسه البدائية من الصراخ والق٠ز والرقص Ùˆ"الماكياج". Ù Ù ÙŠ هذا Ø§Ù„ØªÙˆØØ¯ "الوثني" يتصور كل شخص أنه ÙŠØÙ‚Ù‚ ذاته ØÙŠÙ†Ù…ا تذوب Ù ÙŠ ذوات الآخرين ككل بالمشاركة Ù ÙŠ اقتسام "الكرة الوثن" كما لو كانت "توتم".. المشاركة Ù ÙŠ اقتسام شيء ÙˆØ§ØØ¯ ÙŠÙ…Ù†Ø Ù‚ÙˆØªÙ‡ للكل ولكل ٠رد شارك Ù ÙŠ الاقتسام.
إن Ù Ù† تصغير الرؤوس والعقول هو ن٠سه الذي يمارس Ù ÙŠ اختصار الدين Ù ÙŠ Ù„ØÙŠØ© ÙˆØØ¬Ø§Ø¨ ونقاب وهو الذي يري Ù ÙŠ استغلال الأغنياء لل٠قراء إرادة إلهية وت٠ضيل للبعض علي البعض وجعلهم درجات وهو الذي يري Ù ÙŠ هيمنة الرجل علي المرأة مسألة ٠طرية لأن الذكر ليس كالأنثي. وهو ذاته الذي يقول أن الØÙƒØ§Ù… هم أولي الأمر عصيانهم عصيان لله.
انعزالية جديدة
إن الاستخدام المت٠رد والمبرمج لتقديم إيديولوجية انعزالية جديدة مقنعة بالوطنية هد٠ه Ù…ØÙˆ تاريخ عربي طويل. ٠الممارسات لا يمكن الشك Ù ÙŠ غرضها ٠هي Ù…Ù Ø¶ÙˆØØ© وغبية شكلا ومضمونا ويقوم بها أ٠راد ومؤسسات إعلامية Ùˆ نظم لشطب ماضي الشعوب بجرة قلم وبإعلان نسمعه من الطر٠ين: "انتهت لعبة القومية العربية" "وانتهت أسطورة العروبة" Ùˆ"انتهت الإخوة بين البلدين" ويلزم "عدم التطبيع مع الجزائر" والتشكيك Ù ÙŠ علاقة مصر بالسودان Ùˆ ربما سنسمع قريبا "انتهت القضية ال٠لسطينية" ... وماذا بعد؟ هل ذهب سائق التاكسي إلي السودان بعد القاهرة وهل سيظل ØØ¨Ù‡ لمصر أم أن رأسه تم تصغيرها هو الآخر؟